١٦ شوال ١٤٢٨ هـ

الرجل الغير مناسب

منذ يومين شاهدت أحد اساتذة علم الإقتصاد وعميد سابق يتكلم عن رؤســـاء الوزارة المعينين
خلال الفترة الماضية , وهل كانت مؤهلاتهم العلمية والعملية تصلح لتولـــى هذا المنصب أم لا
ذكر الاستاذ الدكتور الذى نسيت إسمه للأسف بأن جميع رؤساء الوزارة المحترميــــن لـــــــم
يكونوا أهلا لتولى هذا المنصب , وكانت حجته فى ذلك أن مشكلة مصر الأساسيـــــــة تعـــــتبر
مشكلة إقتصادية فى المقام الأول , وأن جميع رؤساء الوزارة حتى الآن لــــم تكن مؤهلاتـــــهم
العلمية والعملية تصب فى علم الاقتصاد , لذلك فشلوا فى إدارة أعمالهم وفى حـــــل ولو مشكــلة
واحدة من مشاكلنا الإقتصادية

إذا حكومتنا المبجلة قامت بتعيين رجال فى غير أماكنهم المناسبة , ليس ذلك فقط , بل زايـــدت
بهم على حل مشاكل الناس بجميع أشكالها , وعلى النقيض تمام ما يحدث هو أن يـــأتى رئيــس
الوزراء الجديد بمجموعة جديدة من المشاكل التى تزيد الحال سوءا أكثر مما هو عليه

لذلك يمكن القول بأن الحزب الحاكم أو رئيس الدولة أو الحكومة - فى نظرى هم جميعا جهـــــة
واحدة تعددت أسمائها - قاموا باستخدام مبدأ وظيفى غاية فى الغرابة , وهو تعيين الرجل الغير
مناسب فى المكان الغير مناسب , وضربوا بمبادئ علم الإدارة عرض الحائط من أجل مصـالـح
خاصة ليس للشعب بها أى صلة
حتى يكون الرجل مناسبا , يجب توفر صفات أساسية فيه , منها تاريخه العلمي والعمــــــــــــــلي
إنجازاته فى مناصب سابقة , سلوكه فى التعامل , مدى قدرته على إدارة المجموعة , سجلــــــه
الوظيفي النظيف , القدرة على الإبداع وإيجاد حلول بديلة ..... إلخ , وحتى يكون المكـــــــــــــان
مناسب أيضا يجب أن يعمل الشخص فى نفس مجاله وليس بنشاط آخر

الكارثة الكبرى أن هذا المبدأ يمكن إطلاقه على معظم الوظائف الحكومية والغيــــــــــر حكــومية
والسبب فى ذلك قائمة طويلة جدا من السلبيات الموجودة فى الحكومة وفى المجتمع نفسه والتـي
تحتاج إلى مقال آخر

فقط أنا أشعر بأن الشعب المصري يعيش داخل سفينة بدأت المياه تتسرب إليها من كل ناحيــــــة
وليس لقبطانها أو طاقمها حول ولا قوة لأنهم من الأصل ليس لهم فى قيادة السفن
واللهم نجينا من الغرق
آمين يارب

٥ شوال ١٤٢٨ هـ

الدكتــورة أمل

جلست فى صمت تستمع الى حديث زميلاتها وزملائها الأطباء فى قسم طوارئ الباطنة
كانت تشعر بصداع يكاد يفجر رأسها , ولولا أنها مضطرة للجلوس حتى إنهاء ورديتـها
الليلية لكانت تركت المستشفى وذهبت إلى بيتها

انها غير راضية على الإطلاق بكل ما يحدث حولها فى القسم , فها هو عنبر المرضــي
ممتلئ عن آخره , وكأنما البلاد فى حالة حرب وهم ضحاياها , وها هى آهات التوجــع
والألم تعلو وتعلو فى كل مكان , لا يقطعها سوي صراخ أهل مريض توفــــــاه الله بعـد
دخوله للقسم , وكأن شبح الموت يطوف بالمكان جيئةً وذهاباً بحثا عن أحد المرضى قــد
جاء أجله

كانت تشعر بأن قسم الطوارئ إجمالا لا يصلح لعلاج البشر , فلا معدات سليمـــة , ولا
قسم تمريض كفء , ولا أسرَة نظيفة , ولا حتى سرعة فى التعامل مع الحالات التـــي
يمكن أن تكون الدقيقة هى الفيصل بين حياتهم أو مماتهم , أنها تكره هذا المكان وتكـــره
الظروف التى أتت بها اليه , غير أن عدم وجود أى صلاحية لها فى هذا المكان يجعلـهـا
تكتم غضبها بداخلها , فهى فى الأصل طالبة فى الإمتياز ووجودها هنا كان فقط لمجــرد
التعليم وليس لادارة المكان

وكان أكثر ما يضايقها هو قسوة رئيسة القسم وزملائها فى التعامل مع أهل المرضى , كان
أفضل ما يجيبوا به على غضب الناس هو : قدامكم المستشفيات الخاصة , روحوا اتعالجوا
فيها
مالك يا دكتورة أمل ؟
خطفها السؤال الذى ألقاه عليها زميلها الطبيب مما كانت تفكر فيه , حاولت أن تبتلع ريقها
بصعوبة قبل أن تجيبه بأى شئ , ولكن فجأة اقتحم المكتب شاب ظهر فى ملامحه حــالات
من الهلع والغضب و دخل يصرخ فى وجوههم : فين مديرة الزفت اللى هنا ؟
ردت عليه الطبيبة رئيسة القسم بغضب وبصوت عال : ايه يا استاذ ده , انت ازاى
تدخل كده , اتفضل اطلع بره , مفيش حد اسمه مديرة زفت هنا
نظر اليها الشاب وغضب الدنيا فى ملامحه وقال : شوفوا كلكم , الراجل اللى جـــه من
ساعتين فى القسم فى غيبوبة ما حدش قاله نهارك اسود , ومفيش حد حتى عرفنا حالته
ايه أو عنده ايه أو حيروح فين , والمفترض انه يتحول مباشرة للعناية المركـــــــزة مش
يفضل هنا لغاية ما يموت
قاطعته رئيسة القسم : قلنا قبل كده لازم نستنى لما دكتور المخ والاعصاب يشوفه الأول
ثم إن مفيش مكان فاضي فى العناية أصلاً

رد الشاب : خلاص مش عايز حجج فارغة , اللى حقوله كلمتين وانتم أحرار , الراجــل
ده على قد حاله وفى رقبته اربع بنات صغيرين ولو مات ذنبه وذنب عياله فى رقبتكـــــم
وحسبنا الله ونعم الوكيل فيكم
وخرج الشاب دافعا وراءه الباب بعنف .

وكـأن شيئا لم يكن , جلس الأطباء بكل هدوء يكملوا حديثهم فى حين أمسكت الدكــتورة
أمل رأسها بيديها الاثنين محاولة منعه من الانفجار , فما تراه من أحداث بالنسبة لها هو
تعذيب وليس عمل , ولما أحست أن رأسها يدور وأنها على وشك الوقوع على الأرض
تركت الغرفة وخرجت , و أثناء تحركها من أمام عنبر استقبال المرضى وجدت الشــاب
الذى رأته منذ قليل جالسا فى صمت وعينه تنظر الى لا شـــــــئ , اقتربــــت منه وقالت
له : على فكرة يا استاذ الكلام فى المستشفى دى مش بيجيب نتيجة , أنصحك تشــوف أى
وسطة هنا , دكتور مثلا فى الجامعة أو أى مسئول كبير , دا اللى ممكن يتصرف ويدخل
مريضك حالا للعناية المركزة وياخد افضل رعاية

لم تتحرك عين الشاب حتى لترى من يحدثه لكنه قال فى صوت منخفض : مات

انهارت أعصاب الدكتورة أمل رغم انها ليست أول مرة تسمع عن حالة وفاة فى القســــــم
فقد مات الكثيرون أمامها , لكن مقدار الحزن الممتزج باليأس والظلم فى عين الشاب جعلها
تشعر بأنها تعيش أسوأ كابوس فى حياتها , وبدون أن تشعر بما تفعله انطلقت تجرى إلـــى
خارج المستشفى بكل قوتهـــــــا وليس فى رأسها الا قرارا أخذتـــــــــــــــه بلا رجعة فيه
هو انها لن تعود إلى هذا المكان مرة أخرى

٢ شوال ١٤٢٨ هـ

الموعد الأول

من امتى غرامك بحلم بيه ..... من امتى معادك مستنيه ..... تيرارا
جلس أحمد فى تلك الحديقة العامة ينقر بأصابعه على المنضدة التى أمامه وهو يشدو
بتلك الأغنية , كان لديه بعد قليل موعد من نوع خاص , هذا الموعد ظل ينتظــــره
لأكثر من أربع سنوات كاملة , كان دائما يحلم ويرسم لهذا الموعد تفاصيلا تمنى لو
تحدث , وها هو الحلم قد تحقق , اليوم فقط وبعد دقائق سيقابل من أحببها طوال تلك
السنوات , إنها زميلته فى الدراسة إيمان , كان يعشقها , يعشق كل شئ فيهـــا حتى
جديتها فى التعامل مع الآخرين , ابتسم وهو يتذكر كيف مرت تلك السنين بسرعــة
وتذكر اليوم الذى عرفته جارته وزميلته دعاء على إيمان , تذكر أيضا مدى حرصه
على ألا يشعر أحد منهم بحبه إليها , كان بطبعه جاداً هو الآخر , لذا كان يلبس نفسه
قناع الأخ الأكبر لهم , محاولا أن يدارى به مشاعره الحقيقية
فعل ذلك حتى لا تضيع منه , فهو كان يعرف مدى نضجها و كيف كانت تفكر بعقلها
ألف مرة قبل أن تفكر بقلبها مرة
وجاءت اللحظة التى عندها سيكون الفراق , إنه آخر يوم لهم فى الدراسة , اللحظـــة
التى لم يعمل حسابا لها , لم يستوعب أنه لن يراها مرة اخرى , فقد أصبحت بالنسبة
اليه الهواء الذى يجعله حيا
تذكر كيف تغلب على نفسه كاسرا حاجزا كبيرا من الخجل ليطلب منها موعدا حتـــى
يخبرها بأمر هام ، و تذكر مدى سعادته عندما أجابته بأنها هى الاخرى تريده فى أمر
هام , من وقتها وهو يكاد يطير من فرط سعادته
أخذ يفكر بما سيقوله عندما تأتى محاولا ترتيب واختيار أفضل الكلمات التى سيسمعها
اياها , وأثناء تفكيره لاحظ رجل وزوجته وابنهما جالسين فى المنضدة المقابل لـــــه
ابتسم وهو يغمض عينيه محاولا تخيل نفسه مع إيمان بعد الزواج ........ وفجأة
فتح عينيه وقال لنفسه : كيف لم أفكر فى ذلك الأمر من قبل
إنه الزواج , ماذ لو سألته إيمـــــان عن الزواج , ماذا سيــــقول لها , فهو الى الآن لا
يعرف ماذا وأين سيعمل بعدما تنتهى دراســــــته , ليس لديه شقة ولا يوجـــــــد من
سيساعده فى الزواج , هل يصارحها بذلك ؟ و لو صارحها هل ستنتظره حتى تتبدل
أوضاعه ؟ لكن متى يتغير الحال ؟ لن أقدر على وعدها بشئ , هل أكذب عليها ؟ هل ؟
وانهالت الاسئلة التى بلا حلول على رأسه وهو يلعن اللحظة التى طلب فيها الموعد منها
حتى جاء السؤال الأخير , ماذا سأفعل الآن ؟ اتخذ قراره بدون تفكير وقرر أن يمشـــى
قبل مجيئها , فلن يكون أبدا الشخص الذى دمر حياة من يحب , وأثناء قيامه من علـــــى
الكرسى سمع صوتا رقيقا يقول له اتأخرت عليك ؟
نظر إليها وهو لا يعرف بماذ يرد , وتمنى لو انشقت الأرض وابتلعته , واستـــــمرت
إيمان فى حديثها وهى واقفة تقول : آسفة يا أحمد انا مش حقدر أقعد لانى مستعجلة جـــــدا
بس كنت جاية اقولك حاجة مهمة
شعر احمد بغصة فى حلقه محاولا أن يقول شيئا لكنها أشارت اليه بيدها و قالت: ما تقولش
حاجة , انا عارفة انت حتقول ايه , شوف بقى , دعاء بنت حلال وبتحبك , وعنـــــــــدى
احساس انك بتحبها من زمان , وكل اللى بتمناه ما تضيعهاش منك , ولو فكــــــــرت فى
الارتباط بدرى يكون افضل وما تنعاش هم اى شئ , احنا اخوات ياحمد , وللا ايه , يالا
حسيبك انا بسرعة عشان ما اتأخرش عالبيت , وفكر كويس فى الكلمتين دول , واشوفك
على خير ........ وتركته إيمان وذهبت

لم يتحرك احمد من مكانه وكأن الدماء خرجت من عروقه , حتى اختفت من امامه إيمـان
ثم فجأة وجد نفسه ينفجر ضاحك
وظل يضحك ويضحك ويضحك

٢١ رمضان ١٤٢٨ هـ

عقب السيجارة

ارتسمت على ملامحه علامات الدهشة والتعجب , فقد رأى شخصا لم يتوقع أن
يراه فى هذا المكان , كان الشخص الذى رآه له تأثيرا كبيراً فى حياته , فقد كان
يمثل عقبة كبيرة فى طريقه , دائماً يهينه وسط الناس إلى حد السب والقــــذف و
أحياناً الضرب المبرح
كان هذا الشخص يحمل له الكثير من العداء وبدون أية أسباب , ودائما ما تساءل
لماذا يفعل معي كل هذا ؟ لماذا يجد فى إهانة كرامتى شيئاً مرحاً ومسلياً له ؟
لماذا يعاملني كحيوان وليس إنسان ؟
ثم تحولت ملامح الدهشة فى وجهه إلى ملامح غضب عارم اجتـــــاح كل ذرة فى
كيانه , ملامح الرغبة فى الإنتقام , ملامح الشخص المظلوم , ولا زال شيئاً خفيا
يهمس فى أذنيه : إنها فرصتك الآن , فهو وحده , بدون شئ يحميه , هو لك الآن
خذ بحقك منه , فقد أهانك وظلمك , وجعلك لا تسوى عقب سيجارة تحت حذائـــه
إنك تكرهه , أنت تكرهه , تكرهه .....وانطلق بكل الغضب الكامن بداخله نحو هذا
الشخص ثم رفع يده عاليا ليضربه على وجهة
وفجأة امتدت يد غليظة لتمسك بيده ويد أخرى تشده من رقبته , وصوت جــهوري
يصرخ فى اذنيه قائلاً : هات بطاقتك يا حيوان
انتفض فى مكانه , ثم نظر حوله , إنه كان يحلم , كان مجرد حلم , فهو فى الحقيقـة
يجلس فى سيارة ميكروباص , كان عائدا من عمله فى النقاشة , ومن شدة تعبه نام
فى السيارة , نام محاولاً تناسي نقطة التفتيش التى سيمرون بها فى مدخل مدينتـــــه
فتلك كانت مأساته اليومية , كان ظابط النقطة دائما يوقفـــــه وبدون سبب , وكــــان
المخبرين وأمين الشرطة يتناوبون إهانته وضربه بإشارة منه , نام وجاءه هذا الحلم
الذى تمنى لو اكتمل
انتفض مرة أخري على صوت المخبر الذى مد يديه اليه ليشده خارج السيارة بــــكل
عنف وهو يقول : عامل فيها عبيط يا كلب , طب انزل بقى كلم الباشا ياروح امك
تحولت كل ذرة فى ملامحه إلى خوف رهيب , والمخبر يرمي به عند أقدام ظــــابط
النقطة , نظر الى وجه الظابط الذى رآه فى حلمه منذ قليل , ثم وقعت عينيــــــه على
حذاء الظابط , وتذكر ما أوقع فى قلبه الخوف والرعب
تذكر عقب السيجارة

١٩ رمضان ١٤٢٨ هـ

كيف حرم الإسلام العبودية

دخلت مدونة من المدونات , شفت سؤال من الاخ المدون ونصه كام يلى
ليه الاسلام ما حرمش العبودية ؟
استفزنى مبدئيا السؤال , لانه بيبن مدى جهل السائل بدينه وتعاليمه ومنهجه وتاريخه , أو على الاقل كان صاغ السؤال بطريقة صحيحة
كان سأل مثلا وقال : ليه مفيش نص قرآنى بيحرم العبودية ؟
لكن السؤال بالشكل ده بين انه اعطى لنفسه الحق فى تأكيد أمورا ليس له بها علم
عامة انا ارسلت تعليق وفيه رد على السؤال واجابة موضوعية ومنهجية وفيها الاسانيد اللازمة كمان , وعلى فكرة الكلام اللى بعته أخدته من مقال كاتب موريتانى اسمه محمد ولد الراظى , للاسف ما ظهرش التعليق عنده وواضح انه مش حيظهر لاسباب لا اعرفها
طبعا لخطورة السؤال لانه بيمس صلب الدين الاسلامى ومنهجه ولقناعتى التامة بأن دين بعظمة الاسلام قد كرم الانسان وحافظ على حريته فى كل تعاليمه قلت اضيف المقال عندى وخلاص , دا غير انه لم ينشر سوى بعض الاجابات الضعيفة اللى وصلتله من بعض الناس ।
بيقول الكاتب : محمد ولد الراظي
لا خلاف في أن الإسلام اعترف بوجود العبودية كعادة قديمة متأصلة في المجتمع القرشي تماما كما الخمر وغيره، فكانت محاربتها تتطلب الكثير من الفطنة والحذر مراعاة لتقاليد مجتمع يسعى الإسلام إلى أن يتغير بروية وهدوء।الإسلام إذن يعترف بالعبودية كظاهرة طارئة وليست أصلية ولا سمة لنوع معين من البشر لا تفارقه।فالإنسان في الإسلام يولد حرا مكرما كما في الآية الكريمة " ولقد كرمنا بني آدم" صدق الله العظيم ، والإسلام السلام والعدل لا يقبل أبدا باستغلال إنسان آخر.حقيقة الإسلام هذه هي التي دفعت بمن كانوا بالأمس عبيدا أن يسارعوا لمبايعة الرسول صلى الله عليه وسلم، في الوقت الذي نفر منه سادة القوم وحاربوه.بل إن "عبيد" الأمس لاقوا الأمرين في رحلتهم تلك من عبودية لسادة قريش إلى حرية بنور الإسلام، ورفضوا كل الإغراءات وصبروا كل العذابات للدخول في الدين الجديد.هذا وحده يكفي للدلالة على أن الإسلام كان خلاصا للعبيد، مع أن الشواهد والأدلة القاطعة من خلال الكتاب والسنة وعبر تاريخ الإسلام الراشدي كثيرة ومعبرة.لقد اعتمد الإسلام خطين متوازيين لمحاربة العبودية 1- تجفيف منابع العبودية من خلال سن قوانين ملزمة تضيق الطريق الموصل للعبودية تجعل من العبد ابنا إضافيا حيث له ما للأولاد وعليه ما عليهم.والحكمة من هذا أن يكون " العبد" زيادة نفقة على "مالكه" في الوقت الذي كان وسيلة إنتاج ومن شأن ذلك أن يجعل المرء يفكر ألف مرة قبل الإبقاء على "عبده" عبدا أحرى أن يسعى لزيادة "عبيده".2- فتح الأبواب واسعة أمام تخلص من هم مازالوا عبيدا من واقع العبودية.فأقر الإسلام تحرير الرقاب من بين كفارة اليمين والصوم، وفرض التآخي في الإسلام بل إن الرسول صلى الله عيه وسلم تبنى زيد بن حارثة في رسالة واضحة البيان للناس أن لاعبودية بعد الآن.كما أن أبا بكر الصديق أنفق من ماله ليحرر بلال ويفتح أمامه طريق العز والسؤدد."لقد كانت لكم في رسول الله أسوة حسنة" أمر من الله للمسلمين أن يتبعوا رسول الله في كلما فعل ولن يكون أحد أكثر تأسى به من "ثاني أثنين" أبي بكر ابن أبي قحافة.فإنفاق أبي بكر لتحرير العبيد ومباركة رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك وتبنيه صلى الله عليه وسلم لزيد قبل نزول آية تحريم التبني دليل قاطع أن روح الإسلام تحارب العبودية. صحيح أن الإسلام لم يقل صراحة بتحريم العبودية ولكنه كذلك لم يقل صراحة بتحريم الخمر التي قال فيها ابن عباس "والله لو نزلت علينا اتركوا الخمر ما تركناها أبدا". ولذلك جاء تحريم العبودية سلسا ومنهجيا من خلال تحديد حقوق من هم ساعتها عبيدا وإلزام الناس بها شرعا ورفض البيع والشراء لذا لم تسجل حالة واحدة من بيع أو شراء في عهده صلى الله عليم وسلم ولا في عهد الخلفاء الراشدين. لقد تحول بلال بن رباح في فترة وجيزة من عبد حبشي مهان في بدنه وروحه وكرامته إلى سيد من سادة الدين الجديد وعلم من أعلام الأمة وواحد من صفوة صحابة رسول الله.إن المعنى الذي يستنتج من الفعل أكثر تعبيرا عن ذلك الذي يدرك من القول وما قام به أبو بكر ثاني شخص في الدولة الإسلامية يدل على أن الإسلام يلاحظ وجود العبودية ولكن لا يعترف بها كصفة طبيعية. كما أنه يعطي النموذج الذي ينبغي على كل مسلم حذوه. هناك ملاحظة أخرى هي أن المجتمع العبودي لا يقبل للعبد بأي تميز ولا يمكنه هو أصلا التفكير في ذلك.أما في الإسلام فإن من كانوا بالأمس عبيدا ودخلوا الإسلام دخلوه بكل اعتبار وتقدير ولم يشعر أحد منهم بأي تمييز أو نفور منه بل إن بعضهم نال الشأو الكبير في كل صنوف المعرفة وكل دروب الفضيلة فأسامة بن زيد بن حارثة قاد جيوش المسلمين في كثير من الجبهات وأبلى فيها البلاء الحسن.درسوا كالآخرين القرآن الكريم والحديث الشريف واللغة والبيان وخاضوا الحروب من مواقع الريادة كباقي إخوانهم من المسلمين. لم يصادفوا ما يعيقهم ولم يجدوا مانعا من ولوج قمم التميز والنبوغ فهذا الإمام نافع أحد أهم مراجع المقرأ القراني وتلك رابعة العدوية آية النسك والزهد وذاك قطب الدين أيبك الذي أقام امبراطورية الإسلام في الهند ليترك للأمة أكبر تجمع إسلامي في العالم أما المماليك اؤلائك العبيد الشركس سابقا فهم من أوقف المغول في عين جالوت وهم الرجال الفرسان الذين بنوا قلعة من أقوى قلاع الإسلام. وفي عالم الأدب والثقافة نبغ أبو عثمان الجاحظ فظلت مؤلفاته وما زالت في الأدب والبيان والتاريخ مرتع الباحثين والدارسين للثقافة العربية الإسلامية.هذا هو الإسلام الصحيح واؤلائك هم المسلمون الذين يعبرون بصدق عن حقيقة الإسلام وأن لا عبودية في الإسلام كما قال الفاروق عليه السلام كلمته المشهورة : "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا".